الغـيـر
-الوضـع البشـري
|
||
العـلاقـة بالغيـر
|
مـعرفة الغيـر
|
وجـود الـغيـر
|
-
تعتبر إشكالية العلاقة بالغير صلب إشكالية مفهوم الغير,إذ في هذا الإطار تواجهنا
جملة من التساؤلات والاستفهامات من قبيل.كيف تتحدد علاقة الأنا بالآخر؟ هل هي
علاقة تشابه وتطابق؟ أم هي علاقة تباين واختلاف وتغاير؟ وبالتالي إذا كان الغير
هو الذات الواعية المقابلة لذاتي أي الأنا الذي ليس أنا.فكيف تتحدد علاقتي به؟
لقد
شكلت هذه التساؤلات بؤرة إشكالية توزعت إزاءها التصورات الفلسفية المختلفة.
*
ونجد الفيلسوف "مارتن هيدجر" ينخرط ضمن النقاش المتعلق بإشكالية
العلاقة بالغيرالتي هي تتجاوز مستوى التحاور الانطولوجي الى مستوى الالتقاء
والاشتراك في بناء التجربة الوجودية الانسانية الحيوية المشتركة وهكذا نجد
"هيدجر" ان الانا يوجد في الوجود هنا أي يوجد في العالم وهو وجود
يتحدد من خلال الوجود مع والوجود من اجل فالوجود مع هو اشتراك الأنا مع باقي
الموجودات في الوجود إما الوجود من اجل
فهو اشتراك الأنا مع الغير أي مع الذوات العاقلة الأخرى في الوجود
وانطلاقا من هذا الوجود يسعى الأنا إلى أن يؤسس علاقة التقاء واشتراك مع الغير وهي
علاقة تروم تجربة إنسانية وجودية حيوية مشتركة.ويرى بأن علاقة الأنا بالغير هي
علاقة التقاء واشتراك,وبالتالي فهي تتجاوز كونها مجرد علاقة تحاور وجودي
*
وتساهم المفكرة الفرنسية "كريستفا" في هذا النقاش بحيث تتناوله من
زاوية أخرى هي زاوية الغرابة فنحن غالبا ما نعتقد أن الآخر مختلف عني والمتباين
لهويتي والمتغاير معي من حيث اللون والعرق والدين واللغة ان هذا الآخر البعيد هو
الغريب الذي يهدد كياني وما علي إلا أن
ادخل معه في علاقة صراع ومواجهة . وتعتبر الغير الذي ينظر إليه كغريب هو ليس
كذلك في الواقع بل نحن نكون عنه فكرة غريبة تسكننا على نحو غريب ذلك انه اذا
انفتحنا على الآخر فسوف نكتشف انه ذات واعية تشبهنا ويمكن أن نتواصل معها ونأسس
علاقة ايجابية أساسها التسامح والانفتاح والحوار والتواصل علاقة تمكننا من بناء
تجربة إنسانية مشتركة.
*
وينضم "ميرلوبونتي" إلى السجال الدائر حول إشكالية العلاقة بالغير
بحيث يرى أن العلاقة بين الأنا والآخر يمكن أن تكون ايجابية قائمة على الانفتاح
والتعارف والتواصل وذلك فقط حينما تكف الذوات صمتها وتخرج عن عطالتها لهذا يمكن
للانا أن ينفتح على الآخر ليتعرف عليه ويؤسس معه علاقة ايجابية يمكن أن تتحول
إلى علاقة تعايش وتطابق وتماهي .
|
- الى جانب إشكالية وجود الغير يثير مفهوم
الغير إشكالية أخرى تتمثل في معرفة الغير.فهل معرفة الغير ممكنة أم غير ممكنة ؟
وإذا أمكننا أن نعرف الغير فهل نعرفه كذات واعية مقابلة لذاتي أم كموضوع خارجي
منفصل عني ؟أم كمجرد مقولة وجودية؟
* يعتبر الفيلسوف الوجودي
"جون بول سارتر" أن معرفة الغير غير ممكنة ذلك لأنه الأنا الذي ليس
أنا.ومن ثم فهو يتغاير ويختلف معي .وهكذا فإنني حينما أدركه فأنا أدركه كموضوع
خارجي انه مجرد معطى امبريقي فهو الجسد الذي لا يشبه جسدي ومن ثم تفصلنا عنه
مسافة انطولوجية إن الغير إذن حسب سارتر تجمعني معه علاقة نفي و لَيْسٍ وعَدَمْ
وإِسْتِحَالَة فهو وان كان يتبدى لي كصورة ذهنية فان معرفته تظل مع ذلك غير
ممكنة .ٍ
* في ذات السياق بنا ’ميرلوبونتي’تصوره حين
اعتبر أن إدراك الغير غير ممكن لأنه يتبدى للأنا كسلوك وتجربة داخلية فهو يحضر
أمام الأنا كوضعية شعورية ونفسية مستحضرة أو كوضعية معيشة في كلتا الحالتين
فالغير لا يعني الأنا ومن ثم فتجربته مختلفة عن تجربة الأنا وعليه فمعرفته غير
ممكنة وان كنا نخلق وضعية غير مشتركة نتواصل من خلالها.
* أما ’مالبرانش’ فقد أسس
تصوره حول هذه الإشكالية من اعتبار أن معرفة الغير غير ممكنة بحيث أن هذا الغير
يتبدى للانا كوعي وكإحساس وهكذا فوعي الأنا مختلف عن وعي الآخر وإحساسه مختلف عن
إحساس الآخر فليست هناك ميولات مشتركة بين الناس لأنه ما هو خير بالنسبة لي هو
شر بالنسبة للآخر.وما هو لذة بالنسبة لي ألم بالنسبة للآخر. إذن وتبعا لهذا فمعرفة
الغير غير ممكنة.
|
- يشكل مفهوم الغير مفهوما
حديثا في الفلسفة وان كان حاضرا ضمن الفلسفات القديمة.من بين الإشكالات التي
يثيرها مفهوم الغير تلك التي ترتبط بإشكالية وجود الغير فكيف يتحدد إذن وجود
الغير؟
لقد
اختلفت التصورات الفلسفية في إجابتها عن هذه الإشكالية
*
فنجد الفيلسوف" ميرلوبونتي" ينظر إلى وجود الغير كوجود مزدوج,فهو وجود
في ذاته ووجود لذاته.ذلك إن الغير يتبدى للأنا كمعطى امبريقي انه شيء من الأشياء
بحيث ان أول ما يدرك في الغير هو صورة جسده من ثم فهو مجرد موضوع من المواضيع
الطبيعية.لكن الغير ليس فقط شيئا من الأشياء بل هو ذات واعية مقابلة لذاتي.وعليه
فالغير من حيث هو وجود امبريقي يكون موجودا في ذاته ومن حيث هو ذات واعية يكون
موجودا لذاته.
* وفي
نفس السياق ينخرط الفيلسوف"جون بول
سارتر" الذي ينظر إلى وجود الغير كوجود سلبي ووجود ايجابي فهو سلبي لأنه
يحد من حرية الأنا وهو وجود ايجابي لأنه سبب من خلاله يمكن للانا إدراك وجوده
هكذا إذن يتحول الغير إلى ذلك الوجود الذي من خلاله يتسنى للأنا إثبات وجوده.
*
وينضم إلى هذا النقاش الفيلسوف"هورسل" الذي يعتبر بأن وجود الغير هو
وجود مزدوج انه ذات او موضوع.فهو شيء من الأشياء وهو ذات واعية تدرك العالم
وتوجد في العالم .فالغير إذن يتحدد وجوديا من حيث انه تجربة انفتح عليها وتفاعل
معها وأثر وتأثر بها إنها تجربه الآخرين أو بعبارة اخري هو تجربة الإنسان في
العالم.
-
تأسيسا على م اسبق يمكننا أن نخلص إلى القول بأن مفهوم الغير من الناحية
الوجودية قد أثار العديد من التساؤلات والاستفهامات الشيء الذي ينم عن خصوبته
وعن طبيعته الاشكالية.
|
الشخص -الوضع البشري
|
||
الشخص بين الضرورة والحرية
|
الشخص بوصفه قيمة
|
الشخص والهوية
|
- يشكل مفهوم الشخص مفهوما معقدا استأثر باهتمام الخطابات
الفلسفية المختلفة ويتجلى طابعه
الإشكالي في بعض المفارقات التي ينطوي عليها و التي يمكن صياغتها في الشكل
الاستفهامي التالي كيف يتحدد موقع الشخص بين مقولتي الضرورة والحرية؟ بعبارة
أخرى هل الشخص حر في بناء شخصيته واختيار سلوكا ته وتوجهاته أم انه خاضع في ذلك
لجملة من الحتميات؟
* يرى المحلل النفساني "فرويد"بأن الشخص ليس حرا في بناء
شخصيته واختيار سلوكاته وميولاته لان ذلك يتحدد وفق حتميات بيولوجية وسيكولوجية
من قبيل حتمية اللاشعور وحتمية الصراع
النفسي فالا شعور إذن هو ذلك المحدد الخفي الذي يوجه سلوكاتنا ورغباتنا و
ميولاتنا كما ان شخصية الإنسان تتحدد من خلال حصيلة حتمية الصراع النفسي بين
مكونات الجهاز النفسي هكذا إذن وحسب منظور العلوم الإنسانية نجد الإنسان غير
قادر على بلورة سلوكاته وتوجهاته
وميولاته خارج سياق الحتميات السيكولوجية إذن فالشخص ليس حرا.
* خلافا لهذا المنظور نجد الفلاسفة يقرون بحرية الشخص وان كانت تتفاوت
درجاتها تتفاوت بين النسبي والمطلق فهذا الفيلسوف الفرنسي " سبينوزا"
يرى بأن الشخص يظل يراوح مكانه بين مملكة الضرورة ومملكة الحرية إذ يعتقد انه حر
في رغباته والحقيقة انه ليس كذالك لأنه ليس هناك حرية خارج الضرورة الطبيعية
فالرغبة هي حرية وإرادة من جهة وحاجة وضرورة من جهة أخرى.
* في ذات السياق ينخرط الفيلسوف
الفرنسي "مونيي" الذي يرى بأن قيمة الشخص تتحدد من خلال عضويته
وانتسابه للمجتمع لكن هل خضوع الشخص للمجتمع نفي لحريته . يرى
"مونيي"أن الشخص هو بالتعريف كيان حر وانتمائه للمجتمع لا يجب أن يلغي
ويصادر حريته.فمن واجب المجتمع أن يصون حرية الأفراد وان يرقى بها وان يحترم ميولاتهم و خياراتهم لان الشخص هو
الذي يقرر مصيره بنفسه.
- اعتبارا لما سبق يمكننا أن نخلص إلى القول بأن إشكالية الشخص بين
الضرورة والحرية من الإشكالات التي شغلت بال
الفلاسفة وعلماء الإنسان لان الشخص في ذاته يظل يشكل موضوعا غامضا
ومستعصيا يتوجب بذل المزيد من المجهودات لفهمه.
|
- كيف تتحدد قيمة الشخص؟ بعبارة أخرى كيف يمكن أن ننظر إلى الشخص
كقيمة أخلاقية؟ لقد أثار هذا السؤال مجالا فلسفيا اختلفت في تناوله الخطابات
الفلسفية من ثم نتساءل ما هي المقاربات الفلسفية التي تناولته؟ وما هي أسس النظر
التي اعتمدتها في ذلك؟
* ينطلق الفيلسوف الأمريكي"راولز" في تحديده لقيمة الشخص من
خلال عضويته في المجتمع وانفتاحه على الآخرين والتزامه بالقيم والمبادئ
الأخلاقية العامة فالشخص إذن هو كائن حر تتحدد هويته بالحرية وتحديدا في
المجتمعات الديمقراطية يعتبر المواطنون أشخاصا أحرارا متساوين في الحقوق
والواجبات ولا يمكن أن نميز بعضنا البعض إلا من خلال مهاراتهم وكفاءاتهم .إن الشخص إذن حسب" راولز " لا
تتحدد قيمته إلا من خلال النظر إليه ككائن أخلاقي حسا بالعدالة وشعورا بالخير
يدفعه إلى المساهمة في بناء عادل وخير أساسه التعاون الاجتماعي.
* في ذات السياق أسس الفيلسوف الألماني " كانط " تصوره
لإشكالية الشخص بوصفه قيمة فإذا كان الإنسان ظاهرة من الظواهر الطبيعية وشيئا من
أشيائها فان هذا الإنسان يسمو عن باقي الموجودات بالعقل وتحديدا بالعقل العملي الأخلاقي . إن البطاقة الشخصية
الأخلاقية عند الإنسان تتحدد أساسا بشرط امتلاكه للعقل العملي الأخلاقي هذا الذي
يشكل مقدمة نحو ولوج الإنسان عالم ومملكة الأخلاق وحيث الواجب والفضيلة
والكرامة. إن امتلاك الإنسان للعقل العملي الأخلاقي يجعله يرغم باقي الذوات
العاقلة الأخرى على احترامه وذلك بالنظر اليه كغاية في ذاته لا كوسيلة .
* ينخرط الفيلسوف الألماني
"هيجل" في نقاش هذه الإشكالية إذ يعتبر أن قيمة الشخص تتمثل في
التزامه بالسلوك الأخلاقي وامتثاله للقانون المتمثل في الواجب وبكلمة واحدة فان
قيمة الشخص الأخلاقية تتحدد في تمثله وامتثاله لروح الشعب أي الأخلاق العامة مما يؤدي به إلى
السمو إلى مرتبه أعلى تتمثل في الوعي بالذات كذات حرة منفتحة على الواقع
والآخرين و المساهمة في بناء العلاقات الاجتماعية على قاعدة جدلية أساسها التأثر و التأثير.
- تبعا لما سبق يمكن أن نخلص إلى القول بأن مفهوم الشخص باعتباره قيمه
أخلاقية قد شكل إشكالية فلسفية معقدة.
|
- إن
الحديث عن الوضع البشري يدعونا بالضرورة إلى الحديث عن الإنسان من حيث هو كيان
يتحدد بالوعي والإحساس والشعور في هذا الإطار نتساءل كيف تتحدد هوية الشخص حسب التصورات
الفلسفية المختلفة؟
*
ينطلق"ديـكارت"من فكرة الإعلاء من شأن الذات الإنسانية بحيث بنا
مشروعه الفلسفي حول فكرة الكوجيطو فالفكر أو الوعي هو أساس الوجود الإنساني .
ومن ثم يمكن القول بان الشخص حسب ديكارت يتحدد بخاصية الوعي هذه التي تشكل مدخلا
نحو تحديد هوية الإنسان واثبات وجوده بخلاف لهذا المنظور العقلاني ل"
ديكارت"نجد الفيلسوف الانجليزي " جون لوك" ومن خلال الفلسفة
التجريبية يؤسس منظور جديد حول هوية الإنسان ذلك أن الشخص لا يتحدد من خلال
خاصية الوعي أو الفكر بل يتحدد من خلال خاصية الإحساس .
* بخلاف لهذا المنظور
يرى "جون لوك"يرى بأن العقل لا يعدو أن يكون مجرد إطار فارغ ( فالعقل
يولد عبارة عن صفحة بيضاء) تبعا لهذه القناعة يعتبر" جون لوك" بأن
أساس هوية الشخص تتحدد من خلال الإحساس والتجربة وليس من خلال العقل
والوعي,فالإحساس هو مدخل الشخص نحو الوعي بالذات والآخرين.
* في ذات السياق نجد
الفيلسوف الشخصاني "مونيي "
الذي ينظر إلى الشخص ليس كموضوع أو شيء من
الأشياء بل هو بنية شعورية داخلية
فالشخص يختلف عن الفرد إذ أن الفردانية تجعل الفرد ككائن مختلف متمركز
حول ذاته أما الشخصانية فتجعل من الكائن البشري يخرج من تمركزه حول الذات إلى
الانفتاح على العالم .إن الشخص حسب" مونيي " هو ذلك الواقع الكلي
الشمولي انه بنية شعورية داخلية. وهكذا فالشخص هو الشيء الوحيد الذي نعرفه والذي
نشكله من الداخل في الوقت نفسه فبقدر ما يكون الشخص قادرا في كل مكان فهو لا
يوجد في أي مكان كما يقول "مونيي" .
|
التاريخ
-الوضع البشري
|
|||
دور الانسان في التاريخ
|
التاريخ وفكرة التقدم
|
المعرفة التاريخية
|
|
- لعل من بين ابرز الاشكالات التي تواجه المؤرخين
والابستيمولوجيين هي تلك المتعلقة بدور الانسان في التاريخ فما هو دور الانسان
في التاريخ. بعبارة اخرى هل التاريخ من صنع الإنسان ام ان الانسان من صنع التاريخ؟
لقد اختلفت التصورات الفلسفية والابستيمولوجية في
اجابتها عن هذا السؤال فبالرجوع الى الفلسفة الماركسية نجدها تقر بقدرة الانسان على صنع التاريخ لكنها
قدرة مشروطة بشروط مادية وحيثيات اقتصادية واجتماعية خارج ارادة الانسان نفسه
فالتاريخ حسب ماركس يسير وفق حتمية تتمثل في الصراع الطبقي هذه الحتمية التي
تعتبر محركا للتاريخ وصانع للاحداث ومشكلا للمجتمعات.
* في ذات السياق ينخرط الفيلسوف الوجودي "جون بول
سارتر"الذي حاول المزاوجة بين قناعاته الوجودية وميولاته الماركسية اذ
اعتبر الانسان يمتلك القدرة على صنع التاريخ ما دام يتحدد بالحرية والاختيار
والمسؤولية فالتاريخ اذن هو من صناعة الممارسة الانسانية.
* وبخلاف هذا يبني "مكيافلي" تصوره حول مجرى
التاريخ بالقول ان التاريخ حصيلة القضاء والقدرة ولادخل للانسان في صناعته.
|
- من بين أهم الإشكالات الابستيمولوجية التي تعترضنا في حديثنا عن التاريخ تلك
المتعلقة بفكرة التقدم في التاريخ اذ يطرح السؤال التالي كيف يتقدم التاريخ ؟
بعبارة اخرى كيف تتحقق صيرورة التاريخ هل عبر خط متصل متصاعد ننتقل فيه من
الادنى الى الأعلى ام ان التاريخ يحقق تقدمه عبر خط لا متصل ولا مستمر أي عبر
وثبات وقفزات وطفرات.
* يندرج تصور السوسيولوجي الفرنسي "ريمون
ارون" ضمن الموقف الابستيمولوجي الاتصالي اذ يؤسس تصوره حول فكرة التقدم
للتاريخ انطلاقا من اعتبار ان التاريخ يتقدم بوثيرة متصاعدة وذلك عبر خط
كرونولوجي متسلسل ومتصل ويستدل على فرضيته هذه بالرجوع الى تقدم الحضارات
والمجتمعات وكذا تقدم منظومة المعرفة الانسانية او المعرفة العلمية على وجه
التحديد هذه هي التي تحقق تقدمها انطلاقا من تراكماتها اذن وتأسيسا على هذا
القةل يمكن ان نخلص مع الموقف الاتصالي بأن التاريخ يتقدم صعودا من الادنا الى
الاعلى .
* وهذا مايخص الموقف الاتصالي اما مايخص الموقف
الانفصالي ويندرج له التصور الانطربولوجي
للفرنسي "كلود ليفي ستروس"ضمن الموقف الانفصالي الاستمراري
.بحيث يعتبر بأن التاريخ لايتقدم وفق وثيرة متصلة ومستمرة بل انه يتقدم عبر جمل
من الطفرات والقفزات وهكذا فحتى المعرفة العلمية لا تعرف في تطورها نوعا من التراكم من الادنى الى الاعلى بل ان
المعرفة التاريخية تتقدم من خلال جملة من القطائع الابستيمولوجية هكذا اذن
فالتاريخ لايعرف تواصلا مسترسلا بل يعرف في تقدمة صعودا ونزولا تقدما وتأخرا.
- بناءا على ما تقدم يمكننا ان نخلص الى ان فكرة التقدم
في التاريخ راوحت مكانها بين موقفين ابستيمولوجيين متبايننين هما الموقف
الاتصالي والموقف الانفصالى.
|
- إذا كان التاريخ هو تلك المعرفة المرتبطة
بالماضي الإنساني,فان السؤال ظل قائما حول علمية المعرفة التاريخية.فهل التاريخ
علم من العلوم الإنسانية؟ وهل تتوفر فيه شروط المعرفة العلمية المتمثلة في
الموضوعية والنزاهة والدقة لا يعدو ان يكون مجرد معرفة اديولوجية تغذي احلام
الشعوب وبالتالي فهو لايعدو ان يكون مجرد معرفة اقرب الى الخيال والادب؟ لقد
اثارت هذه التساؤلات اشكالية تضعنا امام مذاهب وأطروحات فلسفية وابستيمولوجية
متفاوتة.
* في هذا الاطار نجد المؤرخ الفرنسي "هنري
مارو" يؤسس تصوره حول المعرفة التاريخية باعتبارها معرفة علمية اذ يعرف لنا
التاريخ بقوله ( التاريخ هو المعرفة العلمية المكونة عن الماضي) ويحيلنا هذا
التعريف بأن التاريخ هو معرفة علمية حول الماضي.فهو اذن ليس سردا للماضي او عملا
ادبيا هدفه اعادة حكي الماضي كما ان التاريخ هو معرفة وليس بحثا او دراسة كما
يراها البعض تبعا فالتاريخ هو تلك المعرفة العلمية الدقيقة والمنظمة والصحيحة
والحقيقة المكونة عن الماضي الانساني فهو اذن معرفة تتعارض مع الطوباوية .
* في نفس السياق يؤسس السوسيولوجي "ريمون
آرون" تصوره حول المعرفة التاريخية اذ يعتبرها بعيدة كل البعد عن الانساق
الطوباوية والخيالية التي ينشأها الفلاسفة المثاليون .فالتاريخ لايرتبط بالاوهام
بل هو معرفة ترتبط بماضي الانسان.وهكذا يقترح ريمون ارون ان تأسيس المعرفة
التاريخية على اسس علمية دقيقة وهي اسس تمكن من اعادة بناء الحدث التاريخي بناءا
علميا مادام التاريخ هو في اساسه معرفة بالماضي وعليه فالتاريخ حسب ريمون ارون
ليس مجرد تجميع وتكديس لاخبار الماضي بل هو ذلك
العلم المهتم بالمجتمعات البشرية.
* يظل
السؤال الابستيمولوجي قائما حول علمية المعرفة التاريخية فهذا الفيلسوف
والابستيمولوجي الفرنسي "غرانجي" يرى بأن التاريخ لا يرقى الى مستوى
العلوم الانسانية كعلم النفس او علم الاجتماع وعلم الاقتصاد وعلم اللغة .انه
مجرد خليط من كل هذه العلوم وبهذا تنتفي عنه صفة العلمية فهو لا يشكل علما
انسانيا قائما بذته او بمضوعه او بمنهجه انه مجرد معرفة قريبة من الادب تمبل الى
الخيال وتستغرق في الاديولوجيا .
-
اعتبارا مما سبق يمكننا ان نخلص الى القول بأن السؤال حول التاريخ هو سؤال
ابستيمولوجي وسع التصورات الفلسفية والعلمية حوله وهذا ما يجعل من المعرفة
التاريخية معرفة تراوح مكانها بين العلم والأدب والخيال والأسطورة و الايدولوجيا
.
|
|