الاخلاق - الواجب
|
||
الواجب والمجتمع
|
الوعي الاخلاقي
|
الواجب و الإكراه
|
- ان الحديث عن
مفهوم الواجب الاخلاقي يدعونى بالضرورة الى الحديث عن المجتمع فكيف تتحدد اذن
علاقة
الواجب الاخلاقي بالمجتمع ؟ بعبارة اخرى من اين يستمد المجتمع سلطته الاخلاقية ؟
* في
هذا السياق نجد عالم الاجتماع الفرنسي "اميل دور كايم" يبني تصوره حول
علاقة المجتمع بالسلطة الاخلاقية ومن ثم بالواجب الاخلاقي اذ يرى ان المجتمع
تتمثل قوته في سلطته الاخلاقية هذه التي تتحكم في سلوك الافراد .فالظاهرة
الاجتماعية هي اذن ظاهرة قهرية على الافراد الخضوع لها وذلك من خلال خضوعهم
للسلطة الاخلاقية التقافية والاجتماعية وهكذا فالافراد حينما يسلكون فانهم
يسلكون بمقتضى هذه القواعد الاخلاقية ذات الطبيعة الالزامية و الاكراهية.وعليه
فإن المجتمع حسب هذا المنظور السوسيولوجي عند اميل دور كايم يشكل سلطة تتجاوز
الافراد بل انها تخضع الافراد لمنطقها وذلك باسم الواجب والقوانين الاخلاقية
التي يتوجب على الذوات الاجتماعية احترامها.
*
في ذات السياق ينخرط الفيلسوف الفرنسي "هنري بيرغسون " الذي يرى ان
السلطة الاخلاقية في المجتمع وان كانت تعبيرا في ظاهرها على الإرادات الحرة في
الأفراد فإنها في باطنها تشكل سلطة قاهرة تخضع الافراد لمنطقها ان المجتمع اذن
هو حصيلة تفاعل إرادة وحريات الاشخاص غير انها تأخذ عن بعدها العميق شكل اكراهات
والزامات وانها بإختصار السلطة الاخلاقية للمجتمع التي على الافراد الامتثال لها
باسم الواجب الاخلاقي .
* ينظم الفيلسوف الالماني "فدريك
انجلز" الذي يأسس تصوره لمفهوم الواجب والسلطة الاخلاقية داخل المجتمع
انطلاقا من منظور مادي تاريخي هو حصيلة جدل بين الافكار والمنظومات الثقافية
وكذا الواقع الاجتماعي والاقتصادي اذ خلص الى اعتبار انه ليست هناك افكار ثابتة
ولا اخلاق ثابتة فالافكار والمنضومات الاخلاقية تتغير تبعا لتغيرات المجتمعات
وتبعا لتغير البنية التحتية التي هي حصيلة للواقع المادي والاقتصادي. هكذا اذن
ومن هذا المنظور المادي مع انجلز نلمس بأن ليس هناك افكار ثابثة ولا اخلاق مطلقة
بل ان المنظومات الفكرية والثقافية والاخلاقية تتغير تبعا لتغير المجتمع من خلال
سيرورته المادية والاقتصادية .
-
اعتبارا لما سبق يمكننا ان نخلص الا ان اشكالية الواجب والمجتمع قد شكلت مسألة
اهتمت بها التناولات الفلسفية المختلفة فالمجتمع يفرض سلطته على الذوات
الاجتماعية من خلال منظومات القيم والاخلاق هذه التي تتحول الى واجبات على
الافراد الامتثال لها. قد نعتقد اننا احرار في المجتمع ولكن الحقيقة هي اننا
خاضعون لسلطة المجتمع انطلاقا من سلطة المجتمع الاخلاقية المتمثلة في الواجب
الاخلاقي.
|
- ان الوعي الاخلاقي هو خاصية تسمح للعقل
الانساني ان يصدر احكاما معيارية عفوية على القيمة الاخلاقية لبعض الافعال
الفردية عندما يتعلق هذا الوعي بالأفعال المقبلة للذات الفاعلة فانه يتحول الى
صوت يأمر ويدافع اما اذا يتعلق بالافعال المادية فانه يأخذ شكل احساسات. ماهو
مصدر الوعي الاخلاقي ؟
* يؤسس الفيلسوف "ايريك فايل "
تصوره لمسألة الوعي اذ ينظر الا هذا الوعي انطلاقا من منظور عقلاني فلا تناقض
بين العقل والاخلاق عن طريق العقل نتجاوز النزوات ونتمكن من بناء الكون على حساب
ماهو خاص في الوعي الاخلاقي يتأسس اذن على العقل وذلك عندما يتجاوز الانسان
ذاتيته لكي يصبح كونية فالاخلاق تأكد ان الانسان يتحدد كانسان الامن من خلال
كونه كائنا عاقلا واخلاقيا واعتبارا لهذا يصب موضوعا للاحنرام ان العقل اذن هو
اساس الوعي الاخلاقي مادام يشكل قاعدة للارادة والحرية الانسانية .
* ينضم الفيلسوف النمساوي
"فرانس برانتانو " الى المساهمة في النقاس الدائر حول اشكالية الوعي
الاخلاقي اذ يرى ان هذا الوعي يرتبط بشروط خارجية انه تعبير عن الارادة الخارجية
المتمثلة في مجموعة من القوانين الالزامية . اذا كان الانسان يعيش في المجتمع
فان المجتمع من اجل ان يستمر وان يحافض على وحدته وتماسكه فانه يخضع لجملة من
التوازنات هذه التي تتحدد بجملة من القوانين والضوابط . فالافراد اذن هم ملزمون
بالخضوع لتلك الضوابط والقوانين وعليه فان الوعي الاخلاقي يتأسس انطلاقا من شروط
خارجية وهي شروط تتلون بلون الاوضاع الاجتماعية التي تعبير عن الاوضاع الخارجية
ان القو بالالزام يجعل الوعي الاخلاقي يتبط بحتميات اجتماعية هي تعبير عن
التجربة والمحيط الخارجيين هكذا اذن يستمد الوعي الاخلاقي مبدأه ليس من قاعدة
اخلاقية ولكن من ارادة خارجية .
* من خلال تصور الفيلسوف الاسلامي
" ابن مسكويه " نقف عند تصور اخر حول اشكالية الوعي الأخلاقي
فالفيلسوف ينظر الى أن الوعي الأخلاقي يرتبط
بالبيئة الخلقية ونعني به الطبع والطبيعة ان اذن يرتبط بالمزاج الذي هو
تعبير عن الميل والغريزة بحيث نجده يتعارض مع العقل لكن الخلق يمكن ان يتحول الى
قاعدة أخلاقية أساسها القيم الفاضلة وذلك متى يتم إخضاعه للتهذيب والتأديب ونلمس
من خلال تصور" ابن مسكويه " دعوة صريحة إلى ضرورة التربية في تهذيب
الخلق حتى يتحول إلى مبدأ للوعي الأخلاقي أساسه الأخلاق الحسنه والقيم الفاضلة.
|
- يتميز السلوك
الإنساني عن السلوك الحيواني ببعده الأخلاقي والواعي فالإنسان كائن اخلاقي
بامتياز بحيث تتبدى الأخلاق في سلوكا ته ولعل ما يدفع الإنسان لك يكون كائنا
أخلاقيا هو ذلك الوازع الذي يدفعه الى الامتثال الى القوانين الأخلاقية انه وازع
الواجب . فما نعني بالواجب؟
* لقد شكل المشروع
الفلسفي الأخلاقي الكانطي ثورة في مجال الاخلاق وذلك من خلال تصوره لمفهوم
الواجب فان كانت التصورات الفلسفية الأخلاقية التقليدية تربط مصدر الواجب بما هو
خارجي فان" كانط " ينظر للواجب كوازع داخلي انه تعبير عن نداء الضمير
والإرادة الطيبة وهذا ما يجعل منه مصدرا للحرية والالتزام والمسؤولية مما يجعل
الإنسان يتحرر من كل مظاهر الضرورة والاكراه وهكذا ما يجعل الانسان يسمو ببعد
اخلاقي عن كل الكائنات الطبيعية الاخرى اذن واعتبارا لهذا الواجب الاخلاق يحسب
كانك هو مصدر للحرية والارادة والالتزام.
* ينخرط الفيلسوف
الانجليزي " دافيد هيوم" في ذات
الاشكالة المتعلقة بمفهوم الواجب والإكراه بحيث يربط الواجبات الأخلاقية
بالواقع والتجربة الواقعية وفي هذا الصدد نجده يربط الواجبات الأخلاقية بمصدر
طبيعي والأخر اجتماعي النية للنوع الأول نجد الواجبات الأخلاقية ترتبط بالغريزات
الطبيعية او الميل المباشر مثل حب الأطفال
او شكر المحسنين او العطف على المعوزين او انقاذ شخص في حالة خطر ان هذا
الصنف من الواجبات الأخلاقية يكون مرتبطا بنبوغ من الميل المباشر الذي هو تعبير
عن الحرية والإرادة إما النوع الثاني من الواجبات فهو الذي يرتبط بالإحساس
بالالتزام لا غير وهو إحساس يرتبط بضرورات اجتماعية إذن في حالة إهمال تك
الواجبات سيكون من المستحيل المحافظة على توازن المجتمع ووحدته واستمراره ان هذا
النوع من الواجبات يرتبط أساسا بالالتزام والضرورات الخمس .
* ينضم الفيلسوف
الألماني "هيجل" الى هذا السجال المتعلق بإشكالية الواجب والإكراه، في
الغالب ما ننظر الى المصلحة الشخصية والمصلحة العامة كمفهومين متعارضين غير ان
"هيجل" ينظر إليهما كمفهومين متكاملين وذلك من خلال مفهوم الواجب هذا
الذي يشكل تركيبا عقلانيا بين المصلحة الخاصة والعامة فالشخص حينما يقوم
بواجباته اتجاه الدولة فهو يميل إلى تحقيق ذاته من خلال انصهار ما هو فردي في ما هو عام .وبذالك تتحقق الفكرة المطلقة التي هي تركيب
بين ما هو ذاتي وما هو موضوعي وما هو خاص وما هو عام ما هو فردي وما هو جماعي
... فالشخص حينما يحقق مصلحته الخاصة فهو في ذات الآن يحقق المصلحة العامة فلا
تعارض إن بين الواجبات الخاصة والواجبات العامة فالواجب إذن هو الامتثال من قبل
الأفراد لروح الشعب وفي ذلك امتثال للروح المطلقة التي هي تجسيد للحرية.
|
الاخلاق –
السعادة
|
||
السعادة والواجب
|
البحث عن السعادة
|
تمثلات السعادة
|
- عوض
الوقوف عند السعادة المشروطة بتحقيق
الرغبات او إقصائها يمكن التساؤل لماذا لم نجعل من السعادة غاية تبنى داخل شبكة
العلائق الانسانية ؟ ولماذا لا تصبح هذه الغاية موجها لتصرفات الذات تجاه نفسها
وغيرها؟
* ينظم
الفيلسوف الانجليزي " برتراند راسل" الى اشكالية السعادة والواجب بحيث
يرى ان السعادة لايمكن ان تتحقق من التساوي للجميع لان الاحساس بالواجب تجاه الاخر
يؤدي به الى الاهتمام اكثر من الاهتمام بالذات الامر الذي ينتج عنه تامين
السعادة لطرف على حساب طرف اخر وقد اعتمد هذا الفيلسوف للدفاع عن موقفه على
امثلة ترتبط بطبيعة العلاقة بين الاباء والابناء . الا ان هذا الفيلسوف يؤكد من
جانب اخر على ان الانسانية الجيدة ينبغي ان توفر السعادة لجميع الطراف وليس لطرف
واحد فحسب .
* ينظر
الفيلسوف الفرنسي " ألان" الى ان من
الواجب ان نلقن الاطفال كيف يمكن ان يحيواْ حياة سعيدة رغم ان الظروف
المعيشية لا تسمح بذلك في اغلب الاحيان ومن الواجب ايضا ان نلقن الاطفال كيفية
كتمان ماسيهم وآلامهم لان البوح والجهر
بها قد يكون سببا في تعاسة الاخرين فرغم ان الناس يستمتعون بمعرفة ماسي والام
الاخرين فليس من واجب هؤلاء الجهر بها لان الحزن يعتبر بمثابة سم يمكن ان نرغب
فيه لكن ليمكن ان نرتاح له . * ان السعادة الحقة حسب " الغزالي" هي
سعادة الاخرة التي لا يبلغها الا من كان تقيا زاهدا صوفيا أي من ان ادرك انه من
الواجب عليه كبح جماح اهوائه وتطهير نفسه والابتعاد عن الحياة الدنيا وملذاتها
لانها زائلة و غير دائمة ويعتقد الغزالي انه اذا كانت السعادة هي الجسد الذي
تتمثل في صحته او في تناول الدواء عند مرضه فان سعادة القلب لا تنال الى بالتقوى
والمكاشفة والذوق الذي لا يمكن ان يتحقق سوى في العزلة والخلوة .
|
- في سياق حديثنا عن السعادة تعترضنا جملة من
التساؤلات من قبيل كيف يمكن تحصيل
السعادة ؟بعبارة أخرى هل هي غاية في حد ذاتها ام وسيلة لتحقيق أهداف أخرى؟
* يرى الفيلسوف اليوناني "أرسطو" ان
السعادة تطلب لذاتها فهي غاية في حد ذاتها وليست وسيلة لتحقيق هدف آخر عكس
الأمور الأخرى التي نكد في البحث عنها ليس في حد ذاتها بل من اجل بلوغ السعادة
ان السعادة ملازمة للعقل وملازمة للفضيلة التي تتجسد في الخير الاسمى ان السعادة
بما هي خير أسمى تكفي ذاتها ولا تفتقر إلى غيرها لأنها تعتبر غاية لأفعالها.
* يؤكد
لنا "ابيقور" على أن اللذة هي منطلق الحياة السعيدة ومبتغاها واللذة
هنا تمثل الخير الاول والطبيعي وتتمثل في التفكير المعقلن الذي يجنب النفس كل
خكأ او اضطراب او الم ان السعادة لا يمكن ان تنال بواسطة المتعة او اللذات التي
قد يترتب عنها اضطراب أو غم أو كدر يستولي على النفوس ويسبب لها الآلام .
* في ذات السجال ينخرط الفيلسوف الالماني
"شوبنهاور" حيث يعتبر ان السعادة لحظية ومؤقتة وعابرة فرغم تحقيق
السعادة وبلوغها فهي تبقى على الدوام سعادة سالبة اذ سرعان ما تطفو على السطح تلك الذكريات
الاليمة وذلك الحرمان الذي يسود الحياة فشوبنهاور يرى انه من الضروري استحضار
الحاجة والحرمان والألم إذ بدونها لن يتمكن أي فرد منا من بلوغ السعادة كما لا
يمكن لأي منا الاستمتاع بما لديه .
|
- ان الحديث عن السعادة يجرنا
بالضرورة إلى الحديث عن تمثلاتها باعتبارها الخير الأسمى والغاية القصوى للكمال
الإنساني وهذا الكمال يتحقق بفضل التأمل العقلي.في هذا الإطار نتساءل ما هي
السعادة؟ بعبارة أخرى كيف تتجسد السعادة ؟ وهل هي نوع واحد أم أنواع متعددة ؟
* ينظم الفيلسوف الإسلامي
"الفارابي " إلى هذا السجال بحيث يعتبر أن السعادة ليست مشتركة بين
جميع الناس ، نظرا للاختلاف قوة الإدراك والذكاء لديهم فهناك من لديه القدرة على
تحصيل السعادة إما عن طريق العادة والتقدم والتعلم وإما عن طريق الإدراك العقلي
الخالص و إما عن طريق التخيل وهكذا يتبين وبجلاء أن " الفارابي" يؤكد
على أن جميع الناس يجعلون من السعادة غاية لهم إلا أن سبل وبلوغ ونيل هذه
السعادة متعددة ومختلفة .
* ينخرط موقف الفيلسوف "
ألان" إذ يبلور تمثلات السعادة من خلال الاستدلال أو توقع وجودها لان
السعادة تقتضي الفعل والممارسة والعقل ونقصد هنا العمل الحر . خاصة وان السعادة
تعتبر بمثابة ذلك الجزاء الذي يمنح لذلك الفرد الذي لم يبحث عنه إن
الفيلسوف" ألان " يرفض تلك التصورات التي ترى بأن اقتفاء اثر السعادة
امر ممكن .
* وفي ذات السياق يرى "
أفلاطون" أن تحصيل السعادة وبلوغها يخضع للتراتبية التي فرضتها الطبيعة إذ
أن السعادة تنال حسب الاستعدادات الفطرية التي وفرتها الطبيعة لكل شخص وكذا
المؤهلات التي وفرتها الطبيعة لكل طبقة من طبقات المجتمع ولذلك لا يمكن حسب ما
يؤكده" أفلاطون" أن تتحقق السعادة بنفس القدر لدى جميع أفراد
المجتمع.
|
الأخلاق – الحرية
|
||
الحرية والقانون
|
حرية الإرادة
|
الحرية و الحتمية
|
- عالج العقل خلال عصر الأنوار مفهوم الحرية في علاقته
بالمجتمع والقانون والسياسة . ذلك لأن
الإنسان لا يتمتع بحريته الحقيقية إلا ضمن
علائق مجتمعية تحكمها القوانين
من سلوكات وأفعال داخل المجتمع، لأن هذه القوانين هي الضامنة لحرية الإنسان .
وبما ان القوانين والقواعد تحدد الحرية .
* يرى " ماكس سترنر"
بأن الحرية مستحيلة في الدولة ، لأن الدولة تحد من حرية الفكر والعمل بواسطة
قوانينها التنظيمية .
* أما "دوركايم"
فيقول بأن الجمع بين الحرية وغياب النظام يعتبر تناقضا.وبالتالي فإن اعتبار
الحرية حقا لكل شخص يستلزم وجود نظام سياسي وقوانين تنظم الحرية وتحدد ميدان
تعايش الحريات. ويبقى المجال الحقيقي للحرية هو المجال السياسي القائم على
إمكانية الفعل والكلام.
لا يدرك الإنسان حريته إلا عندما يمارسها بطريقة فعلية وملموسة ، فحينما
يقيم علاقات مع الاخرين في مجالات عمومية ، وعندما ينتقل بكل حرية وامان، ويتكلم
ويعبر عن رأيه، فإن هذه اذن هي الحرية الحقيقية.
|
- اهتم الفكر الفلسفي المعاصر بإشكال الحرية في علاقتها
بالضرورة، وذلك انطلاقا من نتائج العلوم الإنسانية التي أكدت على أن الإنسان
خاضع لمجموعة من الشروط النفسية والاجتماعية والتاريخية.ومن هنا نتساءل هل
يمكننا الحديث عن إرادة حرة؟ وما هي درجة تحكم إرادتنا في حياتنا؟ وهل نحن
مسؤولون عن أفعالنا أم مضطرون إليها؟
* يعتبر "ديكارت" المعرفة مجالا
حقيقيا تستطيع فيه الإرادة الحرة ان تختار بكل حرية وان تصدر احكامها . وفي هذا
السياق ميز ديكارت بين حرية سلبية تتجلى في اللامبالاة، وبين حرية ايجابية تتمثل
في القدرة على التصور والحكم والتحرير.
* أما " كانك " فقد ذهب إلى أن المجال
الذي تمارس فيه الإرادة الحرة فعلها هو مجال الاخلاق. ذلك أن الإنسان يستطيع
ككائن عاقل، أن يعتمد على إرادته الحرة في وضع القواعد العقلية للفعل الإنساني.
وعندما يخضع الإنسان لهذه القواعد فإنه يذعن لإرادته ويمارس حريته. وعند تحدث
كانط عن حرية الإرادة فإنه يقتضي مثل شوبنهاور من مجال الفعل الإنساني الجمالي
أو الأخلاقي،الرغبات والأهواء والميولات.
* ويرى "نيتشه" ان الأخلاق الكنطية قد
أقصت كل ما هو مادي، غريزي وحسي في الإنسان لذلك يذهب إلى القول بضرورة مقاومة
"المثل الزهدي" في الأخلاق المسيحية بإرادة حرة تطلب الحياة وتدافع
عما هو إنساني في التجربة الإنسانية.
|
- ارتبط مفهوم الحرية في
التفكير الفلسفي اليوناني بنشأة وشروط الممارسة السياسية .وقد أعطى هذا التفكير
الفلسفي حق الحرية للأسياد دون العبيد،لان العبد على حد تعبير "أرسطو"
مجرد آلة حية. فللسيد وحده الحق في ممارسة النشاط السياسي والتأمل النظري.
ومع الفلسفة الأبيقورية اتجه
التفكير في الحرية إلى البحث في علاقة الحرية بالضرورات الداخلية ( الغرائز والأهواء)
والخارجية (المجتمع وقوانين الطبيعة).
* ينظم "ابيقور" إلى
هذا السجال بحيث يعتبر أن الحر لم يعد هو نقيض العبد أو السجين، بل أصبح الإنسان
الحر هو من تخلص من اكراهات الغرائز والرغبات ، وعاش طبقا لنظام العقل
والطبيعة.لذلك تم التركيز على حرية الفرد باعتبارها حرية داخلية يعيشها ويشعر
بها رغم خضوعه لضوابط المجتمع و اكراهاته .
وإذا انتقلنا إلى الثقافة الإسلامية نجد التفكير في الحرية انصب لدى
الفلاسفة العرب والمسلمين على علاقة الفعل البشري بالفعل الإلهي .فهذه فرقة
الجبرية قالت بأن الإنسان مجبر على أفعاله، وقالت فرقة المعتزلة بحرية الانسان
في اختيار افعاله بكل مسؤولية. فللإنسان قدرة وارادة يستطيع بهما فعل الخير
والشر ، ولكنه محكوم في ذات الوقت بضروريات مثل قوانين الطبيعة. وقد تم حل إشكال
الفعل الإنساني في اطار تصور ديني فلسفي جمع بين الحرية والحتمية.
* ويرفض " ميرلو بونتي
" في إطار إشكال علاقة الحرية الإنسانية مع الحتمية والضرورة، فكرة الحرية
المطلقة كما تصورها الفيلسوف الوجودي "سارتر"، كما يرفض "ميرلو
بونتي" القول بالحتميات الطبيعية والنفسية والاجتماعية التي ارتكزت عليها
بعض التيارات في العلوم الانسانية . فهذه مواقف تعبر حسب "ميرلو بونتي
" عن خطأ في فهم الوجود الإنساني :ذلك أن الإنسان كائن موضوعي موجود في
العالم ومع الآخرين . وفي خضم الاكراهات التي تحكم الإنسان ـــ عوامل تاريخية ،
اقتصادية اجتماعية وثقافيةـــ فإنه يستطيع ، رغم ذلك، تغيير اتجاه حياته بحيث
يعطي لحياته معنى حرا وإراديا.
|