التوقيع الإلكتروني لمحاضر الخروج
نهاية كل موسم دراسي يشد آلاف الأساتذة الرحال من مناطق المغرب المختلفة لتوقيع محاضر الخروج والذي يعتبر إيذانا بنهاية الموسم الدراسي، إجراءات تنظمها وزارة التربية الوطنية بنصوص تنظيمية تنظم تواريخ بداية ونهاية الموسم الدراسي وكل الإجراءات التنظيمية المتعلقة بمختلف العمليات المرتبطة بالسهر على حسن سير الدراسة.
إلا أن ما يثير إشكالية الموضوع هو ما يكابده أساتذة الشتات في سبيل الانتقال من مقرات سكناهم إلى مقرات عملهم من أجل توقيع بسيط في ثلاث نسخ، مع ما يواكب ذلك من عناء معنوي، وتعب السفر والتنقل لمسافات طويلة تصل لآلاف الكيلومترات، مع ما يشكله ذلك من عبء مادي إضافي يثقل كاهل الأستاذ في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وتوالي المناسبات الذي أصبح يشكل مشكلا يؤرق بال غالبية الموظفين البسطاء إن لم أقل كلهم، ناهيك عن عديد الحوادث التي راح ضحيتها شهداء للواجب المهني.
وبالرجوع لسنوات ما قبل التسعينيات كانت التوقيع يتم في نهاية شهر يونيو، وهو ما دأبت عليه بعض أكاديميات الجنوب في بدايات سنوات الألفين إلا أن هذا الاجتهاد لم يعمر طويلا، وما لبثت أن عاد التوقيع وفق مقرر تنظيم السنة الدراسية للعاشر من يوليوز، على أساس أن يتم استئناف الدراسة في بداية شتنبر.
إلى غاية الآن لا يمكننا أن ننازع في ذلك بحكم أن الأساتذة يسري عليهم ما يسري على باقي الموظفين الخاضعين للنظام الأساسي للوظيفة العمومية، بخصوص العطلة السنوية، مع خصوصية أن عملهم مرتبط بالتدريس والعطلة بالأساس ممنوحة للمتعلم.
لكن الإشكال المطروح هنا في علاقة بالسياق الذي تم ذكره هو لماذا لم يتم اعتماد التوقيع الإلكتروني لمحاضر الخروج؟ وخصوصا أن وزارة التربية الوطنية سبق وأن حصلت من خلال منظومة مسار على جائزة "امتياز 2014" صنف "الخدمات المقدمة عبر الإنترنت".
لقد اتجهت وزارة التربية الوطنية انطلاقا من النصوص المؤطرة للإصلاح الجديد وخصوصا المشروع المندمج 12 والمتعلق بتطوير استعمالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في العملية التربوية، والمشروع الاستراتيجي 16 حول تقوية نظام المعلومات للتربية والتكوين، في اتجاه تحقيق الاندماج في مجتمع المعرفة الرقمي، كما بادرت إلى تحسين الخدمات الإلكترونية عن بعد وخصوصا في شقها المتعلق بامتحانات الباكالوريا، إضافة إلى تعميم بوابة منحتي والتي هي خدمة جديدة للتسجيل في نظام معلوماتي للمنح الجامعية، هذه فقط أمور من بين أخرى كثيرة تثبت أن وزارة التربية الوطنية لها من الترسانة المنظوماتية، اللوجيستيكية و المعلوماتية ما يؤهلها للقيام بنفس الأمر في علاقتها بموظفيها ممن يوقعون محاضر الخروج في مؤسساتهم، وخصوصا أنها في سياق تعميم إدماج التقنيات الحديثة تتوفر على العديد من قواعد المعطيات والبيانات التي تختزن معطيات دقيقة و محينة.
وبالعودة إلى الترسانة القانونية التي يمكن أن تؤطر الموضوع، فيمكن القول إن التوقيع باليد أصبح متجاوزا في هاته الحالة، باعتبار أن الاستعمال الورقي للوثائق أصبح يتراجع في ظل اكتساح الإدارة الإلكترونية المجال، وأيضا باعتبار أن التوقيع الإلكتروني هو وسيلة متطورة من وسائل التصديق على التصرفات القانونية جاء كبديل على التوقيع اليدوي الخطي، ويؤدي نفس وظائفه من حيث التوثيق والإثبات.
فالمشرع المغربي حاول تجاوز الهوة الرقمية وما يترتب عنها من هوة قانونية، وذلك عن طريق التدخل التشريعي لملائمة تشريعاته مع التطورات التكنولوجيا الحديثة في ميدان استخدام تكنولوجيا المعلومات.
مجموعة ISO عرفت التوقيع الإلكتروني:" بأنه مجموعة من معطيات أضيفت على وحدة المعطيات أو تحول مشفرة لوحد من المعطيات تمكن المرسل إليه من إثبات مصدر وحدة المعطيات وكذلك التأكد من صحتها أو تمامها مع حمايتها من التقليد".
والقانون المغربي المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية 05-53، تحدث عن التوقيع الإلكتروني المؤمن والتشفير ثم المصادقة على هذا التوقيع الإلكتروني بقوته الثبوتية.
فالتوقيع الإلكتروني يقوم بعدة وظائف قانونية، تحديد هوية الموقع وهو ما سار عليه سار المشرع المغربي حيث اعترف في الفصل 417.1 من قانون الالتزامات والعقود أن الوثيقة المحررة على دعامة إلكترونية تتمتع بنفس قوة الإثبات التي تتمتع بها الوثيقة المحررة على الورق، كما نص الفصل 2-417 من الفقرة الأولى والتي جاء فيها: " يتيح التوقيع الضروري لإتمام وثيقة قانونية التعرف على الشخص الموقع ويعبر عن قبوله للالتزامات الناتجة عن الوثيقة المذكورة".
كما أن التوقيع هو تعبير عن إرادة الموقع وإظهار موافقته الالتزام بمضمون ما وقع عليه، مما يجعل من المستحيل أن يتم تزوير أو انتحال هوية الموقع في ظل اكتساب الأساتذة لهاته الآلية التقنية، وأيضا في ظل وضوح المحددات الرقمية (login, mot de passe) وهو ما يترتب عنه أن التوقيع الإلكتروني يتوفر على حجية الإثبات.
وعليه فالمطلوب من وزارة التربية الوطنية هو العمل على تكييف مقتضيات هاته النصوص القانونية وفق ما تقتضيه المصلحة العامة للمرفق العمومي أولا ووفق ما يحقق تطويرا وتجويدا لخدمات المرفق العمومي وخصوصا في علاقة وزارة التربية الوطنية بموظفيها، بحكم أنها الجانب التقني غير ذي موضوع مشكل بل الوزارة قطعت فيه أشواطا متقدمة، ما ينقصها هو الجانب القانوني من أجل تنزيل هذه المقتضيات المستحدثة، نظرا للترابط الوثيق بين الجانبين التقني والقانوني كلما تعلق الأمر بالتشريع المتعلق بتكنولوجيات الإعلام والاتصالات.
يونس الراوي
عضو المكتب الوطني للجمعية الوطنية لأساتذة المغرب